بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله أنّ العاقبة للمتّقين و أن لا عدوان إلاّ على الظّالمين .
و بعد : إنّ من شأن من يضع شروطا لأداء أحكام تكليفية أن يراعي أوّلا : تتبع النصوص الشرعية في الباب ؛ ثانيا : أن يلتزم بما كان عليه أئمّة السلف ؛ ثالثا : لا يجوز أن يتجاوز الباحث هذه المراحل و يشترط في اداء حكم تكليفي بما يعود عليه بالتعطيل ، فهذا إستخفاف بالشرع ، بل إنّ الشرع في مجال المعاملات المبنية على أصل الإباحة منع من اشتراط شروط بين المتعاقدين إذا حلّلت حراما أو حرّمت حلالا كما في الحديث المتفق عليه أنّ النبيّ عليه الصّلاة و السّلام قال : (.. فما بال رجال يشترطون شروطا ليس في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل و إن كان مائة شرط )– الحديث - ، فكيف بمن يشترط شروطا لأداء حكم تكليفي يعود على هذا الحكم التكليفي بالتعطيل لإستحالة أدائه للشروط المفروضة عليه ؟؟ ، فالشرط في مصطلح الفقهاء و الأصوليين هو ما يتوقف وجود الحكم على وجوده ، و يلزم من عدمه عدم الحكم .
/ ثانيا : الشروط الّتي ذكرها السائل عن بعض المشايخ ، فهؤلاء المعنيون أرادوا في حقيقة الأمر تعطيل الجهاد باشتراطهم ما ذُكر في السؤال لعلمهم أنّ مثل هذه الشروط تعجز عنها دول فكيف بالطّائفة المنصورة المجاهدة القائمة على امر الله كما اخبر الصّادق المصدوق عليه الصّلاة و السّلام أنّها موجودة في كلّ زمان ؟ فبهذه الشروط لسان حالهم يقول ؛ بأنّ هذه الطائفة لن تكون موجودة في أزمان طويلة من حياة هذه الأمّة ، فالأمر كما قلتُ ؛ أنّ هؤلاء أرادوا تعطيل الجهاد فلم يقدروا أن يصرّحوا للأمّة بمرادهم ففرضوا هذه الشروط الّتي لم يُسبقوا إليها .
/ ثالثا : كلّ الأحكام التكليفية منوطة بقوله الله تعالى : " لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا " ، و من ذلك الإعداد للجهاد في سبيل الله ، بل قد نص ربّنا وصرّح لنا بذلك في مسألة الإعداد فقال : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ " الآية 60 من سورة الأنفال .
/ رابعا : علماء السّلف لم يشترطوا هذه الشروط في الجهاد في سبيل الله و الخلافة قائمة ، بل و الأمّة الإسلامية طالبة لا مطلوبة ، فكيف في حال هذه الأمّة الّتي تداعت الأمم عليها كما تتداعى الأكلة على قصعتها ؟ ، فهؤلاء المشايخ أرادوا أن يمكّنوا الأعداء ويسلطونهم على هذه الأمّة بمثل هذه الشروط ، و قد صرّح أحدهم بشرعية ولاية حاكم كافر – أقصد بريمر الأمريكي - على العراق الرّشيد و حسبنا الله و نعم الوكيل ، ولو أُخذ بشروط هؤلاء المشايخ وفتاواهم لما تحرّرت شعوب و لا استقلّت بلدان ، و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله
/ خامسا : ثبت في السنّة ما يُخالف ما ادّعاه واشترطه المعنيون ، من ذلك ما رواه البخاريّ و مسلم في صحيحيهما عن البراء رضي الله عنه : أتى النبيَ صلّى الله عليه و سلّم رجلٌ مقنع بالحديد ، فقال : يا رسول الله أقاتل أو أسلم ؟ . قال : أسلم ثمّ قاتل . فأسلم ثمّ قاتل فقُتل . فقال رسول الله عليه الصّلاة و السّلام : عمل قليلاً وأجر كثيراً .
فهذا الرجل لم يشترط عليه النبيّ صلّى الله عليه و سلّم علما واسعا أو أن يتخرّج من معهد أو جامعة ، أو أن يكون صاحب شهادات و إجازات و تزكيات ، بل عمل قليلا و أجر كثيرا رضي الله عنه . ومن جهة اخرى فقد ثبت أن الصحابة عانوا في أكثر غزواتهم من قلة العَدد والعُدد حتى أكل بعضهم أوراق الشجر وبعضهم كان يقتات طوال يومه على تمرة واحدة إلى غير ذلك مما هو معروف في سيرتهم رضي الله عنهم أجمعين .. ولم يمنعهم هذا من الجهاد في سبيل الله ..
ثمّ تأمّل إلى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإختيارات الفقهية : (وأمّا قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدّين، فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدّين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نصّ على ذلك العلماء: أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده .إنتهى
أسأل الله أن يُمكّن للمجاهدين في سبيل الله و يردّ عنهم كيد الأعداء . |