بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله أنّ العاقبة للمتّقين ، و أن لا عدوان إلاّ على الظّالمين . و بعد : قال الله تعالى : " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) من سورة الأعراف . و الألبسة هي من زينة الله تعالى الّتي أخرجها لعباده ، فالأصل فيها الإباحة إلاّ ما دلّ الدليل على النّهي عنها كالحرير بالنسبة للرّجال . أمّا التشبه بالكفار فقد وردت نصوص كثيرة في النهيّ عن التشبّه بالكفار ، و من ذلك التّشبه بهم في ألبسة خاصّة بهم ، فما يجب أن يُعلم أنّ ألبسة الكفار نوعان ، نوع خاصّ بدينهم كلباس القسيسين ، و نوع يتبع عاداتهم وقد انتشر وصار أمميّا أي لم يعد خاصا بكفار معينين بل صارت الأمم مشتركة فيه ، فالأول متفق على تحريمه بل للعلماء نصوص بالتكفير به ، والثاني يجوز لبس المجاهدين له للحاجة كما ذكر شيخ الإسلام في المسلم إذا كان في دار الحرب .. ثمّ إنّي لم أفهم كلمة " لباس مموّه " الّذي يقصده السائل ، فإذا كان يقصد أنّ المجاهدين يلبسون ألبسة معينة يُخادعون بها أعداءهم او يموهون بها تحركاتهم كاللباس الأخضر وسط الأشجار ونحوه ، فهذا ممّا لا شكّ في جوازه ، قال رسول الله عليه الصّلاة و السّلام : " الحرب خدعة " ، شريطة أن لا يكون هذا اللباس فيه ما يُخالف عقيدتنا كالصليب أو أن يكون مخلّا بالحياء . أمّا اللّباس الأسود فلا أعرف نهيا عنه ، بل ثبت أنّ النبيّ صلّى الله عليه و سلّم كان يتحلّى بهذا اللون ، روى البخاري في صحيحه ( رقم : 5824 ) عن انس بن مالك رضي الله عنه قال : لمّا ولدت أمّ سًليم ، قالت لي : يا انس أنظر هذا الغلام فلا يُصيبنّ شيئا حتّى تغدو به إلى النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام يحنّكه . فغدوتُ به ، فإذا هو في حائط و عليه خميصة حُريثية ( و الأشهر أنّها سوداء وعلى ذلك بوّب البخاريّ على هذا الحديث ، باب الخميصة السّوداء ) . و روى أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت : صنعتُ لرسول الله عليه الصّلاة و السّلام بُردة سوداء فلبسها . كما كان له عليه الصّلاة و السّلام عمامة سوداء ، فعن جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام دخل مكّة يوم الفتح و عليه عمامة سوداء . رواه مسلم في صحيحه . أمّا من اتخذّ السواد شعارا للحزن فهذا الّذي كرهه بعض أهل العلم . و ما يجب كذلك أن يُعرف في ختام هذا الجواب أنّ المجاهدين مستثنون في كثير من الأمور ثبت النهي عنها ، كلبس الحرير كما نصّ على ذلك كثير من اهل العلم ، قال المهلب : لباسه في الحرب لإرهاب العدوّ وهو مثل الرخصة في الإختيال في الحرب. إنتهى و يقصد بهذه الرخصة في الإختيال في الحرب ، هو لمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أبا دجانة يختال عند القتال ، قال : " إنّ هذه مشية يبغضها الله و رسوله إلاّ في هذا الموطن ". و الله أعلى و أعلم .
|