أجوبة الشيخ في منبر التوحيد
كتب الشيخ في المنبر
آخر التدوينات
المواضيع الأكثر قراءة
احصائيات المدونة
أحوال الطقس في مدينة عنابة
الجواب الرابع والعشرون
3:18 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله تعالى وبارك الله في جهودكم سؤالي : هل هناك فرق بين أن نقول دار إسلام وبلاد إسلام؟؟ إذ أن المعلوم عندنا هو أن الدار وإن كان يسكنها المسلمون وتجري عليها أحكام الكفر فإن حكمها يكون هو دار كفر... فهل نستطيع أن نفرق بين قولنا دار كفر من حيث الحكم على الدار لما يجري عليها من أحكام وبين أن نقول بلادإسلام من حيث أن ساكنيها مسلمون، كما هو الحاصل في بلادنا اليوم؟؟ وجزاكم الله خير الجزاء |
السائل: أبو مصعب العراقي |
المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر | |||
قال أبو حفص سفيان الجزائري : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله والعاقبة للمتّقين ولا عدوان إلاّ على الظالمين . و بعد : أقول أولا و فيكم بارك الله أخانا الكريم ، أسأل الله العظيم أن يحرّر أرضنا العراق من الصليبيين و الصهاينة و الصفويين ، و يجعلها خالصة لعباده الموحّدين ، اللّهم انصر دولة العراق الإسلامية و أميرها و جنودها و أنصارها . ما يجب أنّ تعلمه أخانا ما يلي : / أنّ الله تبارك و تعالى أرسل رسله و خاتمهم محمد بن عبد الله صلّى الله عليه و سلّم ، و أنزل كتبه و آخرها القرآن العظيم ، ليقوم النّاس بتوحيد ربّ العالمين في كلّ شؤون الحياة ، فالتوحيد ليس مقتصرا على جزئية من جزئيات العبادة كما يتبجح بها البعض لاسيما من مرجئة العصر ، بل التوحيد كما يشمل الأمور التعبدية بأن لا يُركع و لا يُسجد و لا يُدعى إلاّ الله تعالى ، فكذلك يشمل الأمور التشريعية بأنّ المشرع هو ربّ العالمين ، و كلّ تشريع يُضاهي تشريع الله تعالى فهو ردّ ، فلا يجوز بحال من الأحوال تقرير هذه القوانين الوضعية الّتي ضاهى بها مُشرعوها شزع ربّ العالمين ، قال تعالى : " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) " سورة الشورى . بل إنّ من تمام العبودية لله تعالى الخضوع لشرعه كلّ شرعه ، قال تعالى : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36) " سورة الأحزاب . / الأمر الثاني :أنّ الشريعة الّتي أنزلها الله تعالى على عباده ما أنزلت إلا لتحكم الأرض و العباد على وفق ما أمر الله تعالى ، هذه هي الغاية الّتي شرع الله دينه من أجلها ، قال تعالى : " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)" سورة المائدة . / الأمر الثالث :أنّ تقسيم الديار هو تبع لهذه الغاية المبيّنة أعلاه ، فالديار الّتي خضعت لشريعة الإسلام هي ديار إسلام ، والديار الّتي خضعت لشرائع الكفر هي ديار كفر ، فتقسيم الديار منوط بالحكم الّتي تخضع له هذه الديار ، و ليس منوط بمن يسكنها قال علاءالدّين الكساني في كتابه بدائع الصنائع ( 9 / 4375 ) : أنّ كلّ دار مضافة إمّا إلى الإسلام و إمّا إلى الكفر ، و إنّما تُضاف الدار إلى الإسلام إذا طُبّقت فيها أحكامه ، و تُضاف إلى الكفر إذا طُبّقت فيها أحكامه ، و لأنّ ظهور الإسلام أو الكفر بظهور أحكامهما . انتهى. / الأمر الرابع : قال سليمان بن سحمان : إذا ما تولّى كافر متغلّب ** على دار إسلام و حلّ بها الوجل و أجرى بها أحكام كفر علانيا ** وأظهرها فيها جهارا بلا مهل و أوهى بها أحكام شرع محمد ** ولم يظهر الإسلام فيها و ينتحل فذي دار كفر عند كلّ محقّق ** كما قاله أهل الدراية بالنّحل و ما كلّ من فيها يُقال بكفره ** فربّ امرئ فيهم على صالح العمل يعني في آخر أبياته أنّ قولنا بدار الكفر لا يعني أنّنا نحكم بكفر ساكني هذه الديار ، أو نبيح دماءهم ، بل هذا التقسيم مفاده بيان أنّ هذه الديار خاضعة لشريعة و قانون الكفر ، ومنه تترتب عليه أحكام عملية أهمّها الجدّ في إعلاء كلمة الله على هذه الديار الّتي صارت صبغتها ديار كفر لخضوعها لغير شريعة الإسلام ، بل لشرائع الكفر و الإلحاد . / الأمر الخامس أنّ التقسيم هو تقسيم اصطلاحي ، إصطلح عليه علماء السلف ليبنوا ما أوضحته آنفا ، فليس عندنا نصّ سمعيّ في تقسيم الديار كما أشار العلماء ، بل هو اصطلاح منهم مبنيّ على التتبع و الاستقراء . فإذا أراد غيرهم أن يصطلح على مصطلح آخر فلا مشاحاة في ذلك ، شريطة أن لا يُعارض بمصطلحه هذا النصوص الشرعية ، أو يُفسّر بمصطلحه هذا النصوص الربّانية ، فضلا أنّه يُخضع الشرع لمصطلحه الحادث ، كما بتنا نسمع من طرف بعض من يُنسب إلى أهل العلم أنّهم يريدون إسقاط هذا التقسيم السلفي للديار لتغيّر الحال كما يزعمون ، معلّلين بأنّ العالم و الدول صارت تحكمها قوانين دولية ، لا مكان لتقسيم الفقهاء للديار مع هذه القوانين ، حتّى أنّهم عقدوا لذلك جلسات و مؤتمرات من بينها مؤتمر ماردين ، و لاشكّ في ضلال هذا التوجه ، و ليس هذا موضع بيان ذلك ، و لله الحمد قدّ ردّ على هذا المؤتمر غير واحد من بينهم الشيخ الفاضل أبو محمد المقدسي فكّ الله أسره ، و فرّج كربته و نفّس همّه و رزقه و أهله الثبات و الصبر . و عليه أقول لأخينا السائل الأصل هو ما طرحه سلفنا الصلح في تقسيم الديار ، و سواء قلنا الدار أو البلاد فهي ألفاظ مترادفة ، و لا بأس بأن يُقال عن البلاد بأنّها إسلامية من حيث غالبية سكانها ، لكن على من اصطلح هذا أن يبيّن ذلك ويفصله ، و لا يجعل مصطلحه هذا مبهم و عام ( أي أن يبيّن بأنّ قوله بلاد الإسلام هو من حيث غالبية السكان و إلاّ فهي ديار كفر ) . و الله أعلى و أعلم . | |||
|