للإتصال بنا إضغط في هذه الوصلة

أجوبة الشيخ في منبر التوحيد

كتب الشيخ في المنبر

آخر التدوينات

المواضيع الأكثر قراءة

احصائيات المدونة

أحوال الطقس في مدينة عنابة

******************************** الجديد ***********************************


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخوتي في الله يحتج علي بعض اعداء الجهاد بقوله تعالى:

\"ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ....\"\"الخ

فيقول ان اي جماعة تختلط ببعض المسلمين لا يجوز قتالها وقتالها يلحق بالمرء معرة واثما كبيرا

السائل: ابو محمد التائب

المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد الله أنّ العاقبة للمتّقين و أن لا عدوان إلاّ على الظّالمين
و بعد : 

مسائل لابدّ أن يدركها السائل :

أوّلا : يقول الله تعالى : " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ".

من الأمور المهمّة الّتي أوضحها ربّ العزّة من خلال هذه الآية أوصاف من زاغت


قلوبهم عن إدراك الحقّ و إتباعه ، فمن أهمّ أوصاف هؤلاء هو اتّباع المتشابه من 

النّصوص الشرعية وهدفهم هو نشر الفتنة بين الأنام ، و تحريف النصوص عن 

مدلولاتها الربّانية ، فليحذر المرء من كانت هذه صفته .
 
ثانيا : كلّما اشتبه على المرء مدلول نصّ من النّصوص الشرعية فعليه أن يردّها إلى 

المحكمات فتصير محكمة ، و لا يردّها إلى هواه فضلا إلى أهواء الطغاة الذين يصدون 

النّاس عن الحقّ و عن أهل الحقّ .

ثالثا : ليحذر المرء تتبع الشبهات أو من يُشيعها ، فيُشربها قلبُه فتُهلكه كما أهلكت 

أهل الأهواء قبله ، قال الإمام ابن القيّم في كتابه مفتاح دار السعادة ( 1 / 443 ) ما 

نصحه به شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية : لا تجعل قلبك للإرادات و الشبهات مثل 

السّفنجة فيشتربها ، فلا ينضح إلاّ بها ، و لكن اجعله كالزجاجة المُصمتة تمرّ 

الشبهات بظاهرها ، و لا تستقرّ فيها ، فيراها بصفائه ، و يدفعها بصلابته ، و إلاّ فإذا 

أشربت قلبك كلّ شبهة تمرّ عليها صار مقرّا للشبهات . انتهى
 
رابعا : من ذكرت عنهم هذه الشبهة لم يريدوا من خلال إثارتهم لها إلاّ صدّ الأمّة عن 

الجهاد في سبيل الله مع أنّ الآية جاءت تبحث مسألة من مسائل القتال و ليس فيها ما 

أراده الّذين زاغت قلوبهم من صدّ الأمّة عن الجهاد في سبيل الله.
 
ولو كان القوم طلاب حق واشتبهت عليهم هذه الآية فعليهم بالأدلّة الصريحة 

الواضحة في قتال الكفار ، و عليهم أن يتأمّلوا في سيرة خير الأنام عليه الصّلاة و 

السّلام ليروا بماذا امتازت حياة نبيّنا عليه الصّلاة و السّلام ، أمّا في مكّة قبل الهجرة 

فامتازت حياته صلّى الله عليه و سلّم بمقارعة الكفار بالحجة و البرهان مؤتمرا بقول 

ربّنا عزّ في علاه : " فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً " .
 
و أمّا في المدينة فامتازت حياته صلّى الله عليه و سلّم بمقارعة الكفار بالسيف. 

والحاصل أنّ حياة نبيّنا صلّى الله عليه و سلّم كلّها جهاد في سبيل الله و عدم الركون 

إلى الّذين كفروا .

 

ثمّ لينظر السائل وكل أخ مسلم إلى أيّ شيء يدعوا هؤلاء الّذين زاغت قلوبهم ؛ 

دعوتهم : إلى أن ترضى أمّتنا بالذّل ، أن ترضى أمّتنا بالهوان ، أرادوا أن يعلّموا أمّتنا 

كيف نركن إلى الذين احتلوا أرضنا و نهبوا ثرواتنا و انتهكوا أعراضنا ، أرادوا أن 

يربّوا الأمّة على الخضوع إلى القوانين الوضعية ، وعلى الرضا بأن يحكم أمّتنا 

شيوعيّ أو اشتراكي أو ليبراليّ و كلّهم في بوثقة واحدة و هي تعطيل شريعة ربّنا ، 

أرادوا أن يُنسوا أمّتنا فرضية تحكيم شريعة ربّنا ، هذه هي الثقافة و هذا هو الدّين 

الّذي يدعوا إليه هؤلاء الّذين زاغت قلوبهم فنشروا الفتنة و الكذب على الله و على 

رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، فحرّفوا النصوص عن مدلولاتها الربّانية و جعلوا 

لها بتزويرهم مدلولات طاغوتية فحسبنا الله و نعم الوكيل .

خامسا: جاء في السؤال حاكيا رأي هؤلاء الّذين زاغت قلوبهم أنّ أيّ جماعة اختلطت 


بجماعة المسلمين لا يجوز استهدافها ، و هذا محض افتراء على الله و على رسول الله 

صلّى الله عليه و سلّم ، قال الله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ 

قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً 

فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً " .

أليست هذه الآية في مسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سوادهم ، فيأتي أحدهم 


السهم أو يُضرب عنقه فيُقتل ؟

روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ ناسا من المسلمين 


كانوا مع المشركين يكثّرون سوادهم على عهد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، 

يأتي 

السّهم يرمى به فيصيب أحدهم ، فيقتله ، أو يضرب عنقه فيقتل ، فأنزل الله : " إِنَّ 

الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ – الآية .

فالتعميم الّذي حكاه السائل في الجهاد عموما ؛ عن الّذين زاغت قلوبهم مخالف لما 


دلّت عليه آية سورة النساء .

سادسا : أمّا عن آية سورة الفتح فيمكن الكلام عليها في مسألة من مسائل الجهاد و 


هي مسألة التترس ، و ليعلم السائل أنّ المجاهدين في سبيل الله لا يقصدون أبدا 

المسلمين في حربهم على الكافرين ، فإذا أصابت أسلحتهم آحاد المسلمين فهو إمّا 

خطأ أو اضطرار و عند الاضطرار هم لا يقصدون استهداف المسلمين بل الكافرين 

الّذين تترّسوا بهم جبنا منهم ، و كم من عملية يُبطلها المجاهدون أو يؤخّرون 

تنفيذها 

من أجل سلامة المسلمين ، فالحقيقة أنّ الّذي يقصد المسلمين بالقتل هم الكافرون 

سواء منهم المحتلّون أو المرتدون .

سابعا : أمّا عن الآية ، فمن أفضل من رأيتُ تكلّم في توضيح الآية هو الإمام أبو بكر 


الجصاص في كتابه أحكام القرآن و كأنّي به يردّ على الشبهة الّتي سأل عنها أخونا 

السائل ، حيث قال : وأمّا احتجاج من يحتج بقوله: " ولولا رجال مؤمنون ونساء 

مؤمنات " الآية؛ في منع رمي الكفار لأجل من فيهم من المسلمين فإنّ الآية لا دلالة 

فيها على موضع الخلاف وذلك لأنّ أكثر ما فيها أنّ الله كف المسلمين عنهم لأنّه كان 

فيهم قوم مسلمون لم يأمن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم لو دخلوا مكة بالسيف 

أن يصيبوهم ، وذلك إنّما تدل إباحة ترك رميهم والإقدام عليهم فلا دلالة على حظر 

الإقدام عليهم مع العلم بأنّ فيهم مسلمين لأنّه جائز أن يبيح الكف عنهم لأجل 

المسلمين وجائز أيضا إباحة الإقدام على وجه التخيير، فإذا لا دلالة فيها على حظر 

الإقدام.

 

فإن قيل: في فحوى الآية ما يدل على الحظر وهو قوله : " لم تعلموهم أن تطؤهم 

فتصيبكم منهم معرّة بغير علم " ، فلولا الحظر ما أصابتهم معرة من قتلهم بإصابته 

إياهم . 

قيل له: قد اختلف أهل التأويل في معنى المعرة هاهنا فروي عن ابن إسحاق أنّه غرم 


الدية، وقال غيره: الكفارة وقال غيرهما: الغم باتفاق قتل المسلم على يده لأنّ المؤمن 

يغم لذلك وإن لم يقصده ، وقال آخرون: العيب ، وحكي عن بعضهم أنّه قال : المعرة 

الإثم وهذا باطل لأنّه تعالى قد أخبر أنّ ذلك لو وقع كان بغير علم منّا لقوله تعالى: " 

لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرّة بغير علم " ، ولا مأثم عليه فيما لم يعلمه 

ولم يضع الله عليه دليلا، قال الله تعالى: " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن 

ما 

تعمدت قلوبكم " ، فعلمنا أنّه لم يرد المأثم .انتهى

ثمّ أورد رحمه الله ما تحتمله الآية ، فقال : ويحتمل أن يكون ذلك كان الموطأ في أهل 


مكة لحرمة الحرم ألا ترى أنّ المستحق للقتل إذا لجأ إليها لم يقتل عندنا وكذلك الكافر 

الحربي إذا لجأ إلى الحرم لم يقتل وإنّما يقتل من انتهك حرمة الحرم بالجناية فيه ، 

فمنع المسلمين من الإقدام عليهم خصوصية لحرمة الحرم.ويحتمل أن يريد ولولا 

رجال مؤمنون ونساء مؤمنات قد علم أنهم سيكونون من أولاد هؤلاء الكفار إذ لم 

يقتلوا فمنعنا قتلهم لما في معلومه من حدوث أولادهم مسلمين وإذا كان في علم الله 

أنه إذا أبقاهم كان لهم أولاد مسلمون أبقاهم ولم يأمر بقتلهم ؛ وقوله : " لو تزيلوا " 

على هذا التأويل لو كان هؤلاء المؤمنون الذين في أصلابهم قد ولدوهم وزايلوهم لقد 

كان أمر بقتلهم وإذا ثبت ما ذكرنا من جواز الإقدام على الكفار مع العلم بكون 

المسلمين بين أظهرهم وجب جواز مثله إذا تترسوا بالمسلمين لأن القصد في الحالين 

رمي المشركين دونهم ومن أصيب منهم فلا دية فيه ولا كفارة كما أن من أصيب 

برمي 

حصون الكفار من المسلمين الذين في الحصن لم يكن فيه دية ولا كفارة ولا أّنه قد 

أبيح لنا الرمي مع العلم بكون المسلمين في تلك الجهة فصاروا في الحكم بمنزلة من 

أبيح قتله فلا يجب شيء، وليست المعرة المذكورة دية ولا كفارة إذ لا دلالة عليه من 

لفظه ولا من غيره والأظهر منه ما يصيبه من الغم والحرج باتفاق قتل المؤمن على 

يده على ما جرت به العادة ممن يتفق على يده ذلك، وقول من تأوله على العيب 

محتمل أيضا لأن الإنسان قد يعاب في العادة باتفاق قتل الخطأ على يده. انتهى 

و مسألة التترس قد بحثها أهل العلم و ليس هذا موضع بسطها .
 


و الله أعلى و أعلم .





أجابه، عضو اللجنة الشرعية :
الشيخ أبو حفص سفيان الجزائري


إضغط هنا لوصول سريع للموضوع

كتب الشيخ المطبوعة



القرآن الكريم

القائمة البريدية

ضع بريدك الالكتروني:

مدعوم من فييد برنر

ترجمة المدونة إلى عدت لغات